أنا مجرد عاشق للمسرح… المرحوم حسن المنيعي.
مقالة رأي محسن الأكرمين.
ليس غريب على مدينة مكناس اغتيال الثقافة والمثقفين. ليس غريب على مثقفيها عيش الشتات والتكتلات النفعية والتشيع الفئوي. ليس غريب على مدينة تعيش انتكاسة الثقافة بامتياز أن يكون لها وزن ذا قيمة في تأبين المرحوم حسن المنيعي عميد النقد المسرحي المغربي. ليس غريب على مدينة فرطت ابتداء من الدورة (17) في المهرجان الوطني للمسرح بدون مناورات مجدية لا من مثقفيها وسياسييها.
مكناس، يا مكناس فمن حرف بداية الميم (ما كاين والو في الثقافة)، ومن الكاف (كفاف ثقافي حد النحافة)، ومن النون (النسيان والتناسي السريع لرجل عشق المسرح حد الثمالة)، ومن الألف (التآلف مع سياسة ثقافة قدي وعدي بلي كاين)، ومن السين تعلم الجميع سياسة الضامة (سير الضيم وشد الواد الثقافي) .
بعد قتل آخر أنبياء الثقافة بمكناس بتهريب المهرجان الوطني للمسرح نحو مدينة تطوان، اليوم خلدت المديرية الإقليمية لوزارة الثقافة والاتصال بمكناس (قطاع الثقافة) تأبين أبا الحسن عميد النقد المسرحي بالمغرب، اليوم مات أبا الحسن على ركح قاعة الفقيه المنوني (أنا عاشق للمسرح) بلا دموع وجدانية ولا تكريم يليق بقيمة الرجل.
السيدة ” كوفيد 19″ أخرت عملية التأبين، والذكرى الأربعينية لرحيل المنيعي. السيدة “كوفيد 19″ منعت أبا الحسن المنيعي أن يغرد صوته المتبقي على مسامعنا بقاعة الفقيه المنوني. أبت السيدة ” كوفيد 19″ على أن تخيم على القاعة ببؤس التأبين و بحرقة الموت والألم وارتداء الكمامات والتباعد الجسدي، وصورة ابتسامة الختم جماعيا. أبت السيدة ” كوفيد 19″ أن يكون التأبين مجردة قراءات من ورق أبيض بمداد أسود. السيدة “كوفيد 19” أبانت أن أول خرجة لمديرية الثقافة بمكناس، كانت خرجة تأبين الثقافة بالنهاية وختم الموسم الثقافي.
هو أبو الحسن الذي كان منيعا في اختراق أفكاره وتمييعها نحو بهلوانات مسرح التهريج، أو أي ثقافة مرتدة عن القيم الكونية، هو المنيعي الذي كان يحمل الفكر التنويري الحداثي ولا يتنازل بتاتا عن أفكاره الرمزية.
بكاؤكما وإن كان لا يجدي فجودا، فقد أودى واسطة عقد النقد المسرحي المكناسي الفقد، بكاؤكما يجدي حين لا نحتفي بالرجل بنفس قيمة وزنه الذهبي ومساره العلمي والثقافي. حين بات تأبين الرجل ثقلا على كاهل مديرية الثقافة بمكناس ومرر مرور الكرام بلا قراءات في عطاءات الرجل وإضافاته النوعية. ما أسوأ مكناس حين لا تعترف بالثقافة والمثقفين من جنس المدينة، ما أسوأ جلسة مجلس جماعة مكناس في آخر دورة له حين آثر أحد المستشارين أن يسمي برج (بيبي عيشة) باسم رجل المسرح المغربي.
هو مكناس مدينة الثقافة بلا ثقافة اعتراف بالجودة والجاذبية وتكريم الحياة بدل الموت، هي التي تحتفي (بالشطيح والرديح) وتقدم لهم مفاتيح مكناس الذهبية وزيت الزيتون، هي المدينة التي لا تعير لثقافة وجوه المدينة قيمة. حضرت بعض العلامات الجامعية وغابت وجوها من مكناس اشتغلت على المسرح وتم تغييبها أو تناسيها عنوة. حضرت الصفات العلمية وغاب أحاسيس الوجدان في تأبين الرجل المبتسم الممتنع، فما أسوأ تأبين القراءة من ورقة مكتوبة بعلامة جامعية. غاب مجلس المدينة لتأثيث المقاعد الأولى (محجوز) للصورة والتسويق، مات الرجل حين انفض القوم من القاعة ، وبقي المنيعي منيعا عن الاختراق حتى في قبر مماته، وبات ليلته لوحة يتيمة بقاعة الفقيه المنوني.
أبا الحسن نم أنيقا بفكرك ورزانتك، نم ، هنيئا وكتاباتك حاضرة بيننا في رف المكتبة الوسائطية. نعم، أبا الحسن (أنت عاشق للمسرح) وبموتك لن تصبح مكناس مدينة مسرح بتاتا، ولن ترتقي حتما إلى مدينة الثقافة.