السموني:الملك يولي عناية خاصة لمغاربة العالم والحكومة لم تبلور سياسة عمومية مندمجة وواضحة المعالم تستجيب لانتظاراتهم
استضافت الإذاعة الوطنية يوم الأحد 25 يونيو د. خالد الشرقاوي السموني، مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والاستراتيجية وخبير في مجال حقوق الانسان في إطار برنامج : قضايا الجالية
“دور مغاربة العالم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة” . وكان الحوار كالتالي :
السؤال الأول : حول الرعاية الملكية لمغاربة العالم
جواب : منذ توليه الحكم و جلالة الملك محمد السادس يولي عناية خاصة برعاياه المقيمين بالخارج ، فهو السند الدائم والساهر على حماية حقوقها، والحريص على الانصات لهمومها وإعطاء التعليمات السامية اللازمة للاستجابة إلى مطالبها، وتحسين الخدمات الموجهة إليها ، و ما فتئ يعطي تعليماته للحكومة لكي تأخذ انشغالاتها بعين الاعتبار وبشكل أفضل يرقى إلى تطلعات مغاربة العالم .
وقد توجت هذه العناية بإحداث مجلس الجالية المغربية بالخارج سنة 2007 كمؤسسة استشارية تسعى إلى النهوض بأوضاع المغاربة المقيمين بالخارج و ضمان حقوقهم وحمايتها. هذا المجلس الذي أصبح مؤسسة دستورية تحظى بأهمية ومكانة متميزة ضمن المؤسسات الدستورية التي نص عليها الدستور الجديد للمملكة لسنة 2011 ، والذي يلعب الآن دورا أساسيا في إبداء آرائه حول توجهات السياسات العمومية التي تمكن المغاربة المقيمين بالخارج من تأمين الحفاظ على علاقات متينة مع هويتهم المغربية، وضمان حقوقهم وصيانة مصالحهم، وكذا المساهمة في التنمية البشرية والمستدامة في وطنهم المغرب وتقدمه.
و بالمناسبة ، فإننا ننتظر من الحكومة إخراج القانون المنظم لمجلس الجالية المغربية بالخارج، إسوة بباقي المؤسسات الدستورية، والاستفادة من التراكم الذي حققه هذا المجلس في توفير المعرفة العلمية حول الهجرة المغربية وتعبئة كفاءاتها، من خلال الدراسات و التقارير والاستشارات الوفيرة التي أنجزها في هذا المجال.
كما يجب التأكيد على أن الدستور المغربي كرس العناية الملكية الخاصة بأفراد الجالية المغربية من خلال عدة فصول ، كالتنصيص على تمتيعهم بالمواطنة الكاملة في بلدهم الأصلي، وفتحت لهم باب المشاركة في مؤسساته والمساهمة في أوراش تنميته، وأكدت على مسؤولية الدولة في حماية الحقوق والمصالح المشروعة للمواطنات والمواطنين المغاربة المقيمين في الخارج، وحرصها على الحفاظ على الوشائج الإنسانية معهم.
ونشير في هذا الخصوص إلى الخطاب الملكي ليوم 20 غشت 2022 بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب ، والذي قدم خلاله جلالة الملك محمد السادس خارطة طريق واضحة المعالم ، حيث شدد فيه على ضرورة إقامة علاقة هيكلية دائمة، مع الكفاءات المغربية بالخارج، وإحداث آلية خاصة، مهمتها مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج، ودعم مبادراتها ومشاريعها ، و دعوة للشباب وحاملي المشاريع المغاربة، المقيمين بالخارج، للاستفادة من فرص الاستثمار الكثيرة بأرض الوطن، ومن التحفيزات والضمانات التي يمنحها ميثاق الاستثمار الجديد ، و مطالبة المؤسسات العمومية، وقطاع المال والأعمال الوطني بالانفتاح على المستثمرين من أبناء الجالية؛ وذلك باعتماد آليات فعالة من الاحتضان والمواكبة والشراكة، بما يعود بالنفع على الجميع ، وتحديث وتأهيل الإطار المؤسسي، الخاص بهذه الفئة و غير ذلك .
ولذلك ، فإن الحكومة ، كسطلة تنفيذية ، مسؤولة عن وضع و تنفيذ السياسة العمومية الخاصة بالجالية المقيمة بالخارج و أيضا اقتراح مشاريع القوانين المتعلقة بها على البرلمان ، و على رأسها مشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم مجلس الجالية المقيمة بالخارج ، فضلا عن التعديلات الضرورية التي يمكن ادخاله على القوانين الاخرى التي لها علاقة بوضعية أفراد الجالية وعلى رأسها مدونة الأسرة ، فيما يتعلق بتضارب الأنظمة القانونية.
فإلى حدود الآن ، مرت ما يناهز 10 أشهر على الخطاب الملكي ليوم 20 غشت ، لم تقدم الحكومة الحالية أي التزام جدي وواقعي يتعلق بالجالية المغربية ، ولم تبلور سياسة عمومية مندمجة وواضحة المعالم تستجيب لانتظارات مغاربة العالم ، و لم تتخذ أية مبادرة تشريعية أو تنظيمية تهم هذه الفئة تنزيلا للخطاب الملكي ، رغم إحداثها للجنة الوزارية المعنية بتنزيل مضامين الخطاب الملكي ل 20 ، إذ كان من الممكن استدراك ذلك في إطار هذه اللجنة الوزارية المحدثة ، علما بأن ملايين المغاربة المقيمين بالخارج ينتظرون تفعيل الخطاب الملكي الذي أعاد الثقة في نفوسهم كمواطنين يتمتعون بنفس الحقوق أسوة بباقي المغارية، بل أنهم يساهمون في تنمية اقتصاد بلدهم والدفاع عن المصالح و الثوابت الوطنية ، وجلب الاستثمارات.
لذلك ينبغي على اللجنة الوزارية المعنية تنزيل مضامين الخطاب الملكي ل 20 غشت، و التسريع بوضع الإطار التشريعي و تنزيل بنود الدستور فيما يتعلق بقضايا الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وبلورة سياسة عمومية مندمجة وواضحة المعالم تستجيب لانتظارات مغاربة العالم.
السؤال الثاني : حول سبل إشراك أفراد الجالية في الدينامية الاجتماعية والاقتصادية بشكل فعال
جواب : يشكل أفراد الجالية المغربية بالخارج إحدى الدعامات الأساسية لتنمية المغرب وحلقة وصل بين المغرب والعالم، بالنظر لتواجدهم في أكثر من خمسين بلد عبر العالم. ولعل السمة الأساسية التي تميز أفراد الجالية المغربية بالخارج وتشترك فيها مختلف أجيال الهجرة المغربية هي الارتباط الوثيق بوطنهم الأم، والاستعداد الدائم للدفاع عن مصالحه والمساهمة في تنمية الاقتصاد الوطني .
فلقد برهن أبناء الجالية المغربية بالخارج خلال الأزمة الصحية التي عرفها العالم جراء تداعيات جائحة كوفيد19 على عمق هذا الارتباط بالوطن واستعدادهم الغير مشروط للوقوف إلى جانبه في مواجهة جميع التحديات؛ ولم يمنعهم توقف الأنشطة الاقتصادية في مجموعة من الدول بسبب إجراءات الإغلاق والحجر الصحي، من مواصلة دعم أسرهم في المغرب لتصل تحويلاتهم المالية مستويات قياسية خالفت توقعات المؤسسات النقدية الدولية.
ثم في عام 2022، سجلت تحويلات مغاربة العالم رقما قياسيا غير مسبوق، وفق مؤشرات مكتب الصرف، فقد وصلت إلى حوالي مبلغ 100 مليار درهم في نهاية عام 2022، ولأول مرة . وسجل مكتب الصرف، بإيجابية، منحى تصاعديا لارتفاع التحويلات المالية لمغاربة العالم بنسبة 14,6 في المائة (أي زائد 12,6 مليارات درهم) مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2021 (86,68 مليار درهم).
وهذا معطى إيجابي ، حيث إن تحويلات مغاربة الخارج، سواء سنة 2022 أو سنة 2021، قياسية جدا وغير مسبوقة من حيث تدفقاتها ، حيث سمحت للاحتياطي النقدي المغربي بإمكانية التوفر على احتياطي عملة صعبة يمكنه من تغطية حاجيات الاستيراد في المملكة. و هذا في حد ذاته يجعل الاقتصاد المغربي يتعاطى بشكل مريح مع تقلبات النمو التي قد يمر منها.
و نشير كذلك إلى أن 2,9 في المائة من الجالية المغربية تستثمر في المغرب لا سيما في مجال العقار، بالرغم من المشاكل التي يعرفها، “وهو ما يدفعنا لنجعلهم جزءا من صنع القرار السياسي والاقتصادي في إطار هذه الدينامية التي يعرفها المغرب لاسيما القانون الإطار المتعلق بالاستثمار .
فضلا عن ذلك ، هناك دور اجتماعي متضمن في التحويلات المالية لأفراد الجالية ، يتجلى في تأمين المغاربة المقيمين بالخارج لحاجيات عائلاتهم بالمغرب؛ ما يعني مساهمتهم في الاستقرار والسلم الاجتماعي والدورة الاقتصادية للبلاد، كما أن جزءا كبيرا من هذه التحويلات يأتي عبارة عن استثمارات بالمملكة، على اعتبار توجه أفراد الجالية المستثمرين تقليديا في قطاعات العقار والخدمات والفلاحة نحو جيل جديد من الاستثمارات من خلال خلق مقاولات في قطاعات ذات قيمة مضافة عالية في مجال التكنولوجيات الحديثة.
وهذا يستدعي ضرورة تعزيز الارتباط الروحي القوي لمغاربة العالم بالوطن ؛ والعمل على إيلائها عناية خاصة من حيث تسهيل استثماراتها للمساهمة في التنمية، كما ورد في الخطاب الملكي ال 20 غشت .
السؤال الثالث : موقع الجالية المغربية في خريطة النموذج التنموي
جواب : اعتبرت لجنة النموذج التنموي الجالية المغربية إحدى الركائز الخمس لبلورة تنمية جديدة في المغرب، عبر إدماج الكفاءات وعبر اقتصاد المعرفة المرتبط باستعمال التكنولوجيات الحيوية والرقمنة وصناعة التكنولوجيات الحديثة، و الطاقات المتجددة ، وهي أمور متاحة لدى أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج.
فقد صاغت اللجنة مقترحات في ما يتعلق بسياسة استقطاب مغاربة العالم المتوفرين على مؤهلات عالية ويعملون في قطاعات عالية مثل ما ذكرنا.
كما أبرز تقرير اللجنة الخاصة للنموذج التنموي العديد من المواضيع ذات الأهمية الكبرى والتي يمكن لمغاربة العالم أن يقدموا في إطارها خبرتهم، بغية المشاركة في تنمية وطنهم.
هذا مع العلم أن المغرب، بلد الذي يشهد إقلاعا اقتصاديا ويشكل بوابة إفريقيا ويتوفر على بنيات تحتية تستجيب للمعايير الدولية، قادر على تقديم عروض تنافسية من أجل جذب الكفاءات عالية التأهيل في المجالات العلمية عالية التكنولوجيا.
لذلك ، يتعين، وقبل كل شيء، بلورة استراتيجية في هذا الصدد والحرص على تنسيق الإطار القانوني والمؤسساتي، بشكل يستجيب للمتطلبات في ما يتعلق بتطوير المسارات المهنية والابتكار تضاهي تلك التي تقترحها بلدان أخرى، خاصة في الخليج، الوجهة التي تحظى بتفضيل متزايد في صفوف كفاءات الهجرة المغربية بأوروبا.
وإذا تحدثنا عن الجانب الاقتصادي الذي يهم الجالية كما ورد في تقرير لجنة النموذج التنموي ، هناك موضوع جد مهم له ارتباط بالثقافة المغربية . في هذا الصدد ، أوصت اللجنة الخاصة للنموذج التنموي بإحداث وكالة مغربية للعمل الثقافي بالخارج و التي نأمل في إحداثها، لتقوم بتنسيق كافة الأعمال الثقافية الموجهة لمغاربة العالم، و السهر على تشجيع إنجاز منتجات ثقافية مغربية الجوهر بلغات بلدان الاستقبال.
وبذلك، فإن الإنتاج الثقافي المغربي بكافة أشكاله سيكون موجها، ليس فقط لمغاربة العالم، بل يستهدف ومن خلالهم جمهورا دوليا، مما سيتيح لثقافتنا التموقع في الساحة الدولية ، لتسليط الضوء على التنوع الثقافي المتشبع بقيم التنوع والتعددية والتعايش و تقبل الآخر.
السؤال الرابع : حول تعبئة الأجيال الشابة من مغاربة العالم للاستثمار في الوطن الأم
جواب : أمام المنافسة الكبيرة على الكفاءات العلمية والتقنية على الصعيد الدولي والإغراءات الاقتصادية والاجتماعية التي تقدمها مختلف الدول للكفاءات العالية من أجل استقطابها والاستفادة من مؤهلاتها، فإن إشراك الشباب من أفراد الجالية في تنمية وطنهم الأم يتطلب توفير الشروط الموضوعية لاستقطابهم، ورفع العراقيل الإدارية أمام الكفاءات الشابة الراغبة في الاشتغال او الاستثمار في المغرب، واعتماد مقاربات محفزة تعزز جذب الشباب ذوي المؤهلات العالية والعاملين فـي القطاعات المتطورة، مثلما جاء في تقرير لجنة النموذج التنموي.
ولهذا السبب ، دعا العاهل المغربي في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب العام الماضي بإحداث آلية خاصة بمواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج.
تتولى هذه الآلية مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج ودعم مبادراتها ومشاريعها ودعوة للشباب وحاملي المشاريع المغاربة، المقيمين بالخارج، للاستفادة من فرص الاستثمار الكثيرة بأرض الوطن، ومن التحفيزات والضمانات التي يمنحها ميثاق الاستثمار الجديد ، و مطالبة المؤسسات العمومية، وقطاع المال والأعمال الوطني بالانفتاح على المستثمرين من أبناء الجالية؛ وذلك باعتماد آليات فعالة من الاحتضان والمواكبة والشراكة، بما يعود بالنفع على الجميع .
السؤال الخامس : حول محاربة الصورة النمطية التي تختزل مغاربة العالم في عطلة الصيف والتحويلات المالية للعائلة
جواب : ينبغي التحرر من الصورة النمطية السائدة حول مغاربة العالم والتي تختزلهم في ثنائية قضاء العطلة الصيفية والتحويلات المالية، والتوجه نحو التركيز ظاهرة عولمة الهجرة والنهوض بحقوقهم وجلب الكفاءات منهم .
خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية للولاية الحالية شدد فيه على ضرورة تعزيز العلاقة بين مغاربة العالم وبلدهم الأصلي عبر مواكبة الكفاءات والمواهب المغربية بالخارج ودعم مبادراتهم ومشاريعهم، وكذا تحفيز الشباب وحاملي المشاريع من المغاربة المقيمين بالخارج، على الاستفادة من الفرص المتعددة للاستثمار التي يتيحها بلدهم الأم.
إن الانفتاح على القضايا التي تهم مغاربة العالم يقتضي تجاوز الجانب السياسي والمصلحي الضيق المتعلق بدور مغاربة العالم في التحولات المالية والتفكير فيهم كمغاربة قبل أن يكونوا “موردا اقتصاديا
يجب تجاوز الصور النمطية المرتبطة بالجالية المغربية، و أن نعي جيدا دورها داخل المغرب وخارجه ونتكلم عن الجيل الثالث الذي أصبح بحكم الواقع يحمل جنسيتين بمشارب ثقافية ودينية مختلفة والدور الذي يضطلع به في الخارج لتقديم صورة عن مغرب التسامح والقبول بالآخر.
كما يجب نذلك أن نعبئ الطاقات من أفراد الجالية ونحرص على تنمية ارتباطهم بأرض الوطن والاقتراب من قضاياهم ونقلها إلى الحكومة و البرلمان والمؤسسات المعنية بالجالية والتفاعل بشأنها، وأيضا تقدير الإسهام اللامادي لمغاربة العالم من خلال كفاءاتهم البارزة في مختلف المجالات ومناصب المسؤولية المهمة التي يشغلونها في القطاعات المقاولاتية والسياسية والعلمية والفكرية كذلك .
السؤال السادس : حول دلالات تنظيم المغرب لأكبر عملية عبور في العالم
جواب : لابد من الإشارة الى الجهود التي تقوم بها مؤسسة محمد الخامس للتضامن بتشغيل فضاءات الاستقبال داخل المغرب وبالخارج لاستقبال ومواكبة افراد الجالية المقيمين بالخارج خلال العبور والرجوع من والى المغرب طيلة فترة العملية الممتدة لثلاثة أشهر و نصف. ولا شك أن هذا العمل المهم يتم بتنسيق مع مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج ومجلس الجالية المغربية بالخارج ووزارة الشؤون الخارجية وقطاعات وزارية ومؤسسات أخرى.
فحسب علمي ، تم تشغيل 18 فضاء للاستقبال ، داخل المغرب ، بكل من موانئ طنجة المتوسط ، طنجة المدينة، الحسيمة والناظور، وبمعابر باب السبتة وباب مليلية، وبمطارات الدار البيضاء محمد الخامس، والرباط سلا، وجدة أنجاد، أكادير المسيرة، فاس سايس، مراكش المنارة وطنجة ابن بطوطة وكذلك بباحات الاستراحة طنجة المتوسط والجبهة وتازاغين وسمير المضيق.
أما خارج التراب الوطني، فتتواجد مراكز الاستقبال “مرحبا” الستة على مستوى الموانئ الأوروبية: ألميريا، الجزيرة الخضراء، موتريل، سيت، مرسيليا وجنوة.
بالضافة إلى تقديم خدمات المساعدة الاجتماعية والطبية المعتادة على مستوى مراكز الاستقبال داخل وخارج التراب الوطني.