متابعة : احمد الزينبي
رغم الخطابات الرسمية المتكررة حول العدالة المجالية وفك العزلة عن العالم القروي، لا تزال جماعة الترايبة، التابعة لإقليم تازة، تعاني من تهميش بنيوي واهمال واللامبلات ، ترزح تحته منذ سنوات، وسط تجاهل تام من الجهات المعنية ، وضع تنموي متدهور، بنية تحتية منهارة، غياب كلي للخدمات الصحية والتعليمية، وانعدام أي تصور حقيقي لإدماج المنطقة ضمن برامج التنمية الترابية.
وحين تتوجه إلى مقر جماعة الترايبة التابعة لإقليم تازة ، يصدمك مشهد البناية المتقادمة والمهترئة التي تحتضن الإدارة المحلية ، جدران متشققة، مرافق غير صالحة للاستخدام، وموظفون يشتغلون في ظروف غير لائقة ، كيف لمثل هذا الفضاء أن يضمن جودة الخدمات للمواطنين؟ بل كيف يمكن الحديث عن حكامة محلية داخل إدارة تعيش خارج الزمن؟ إن تدهور مقر الجماعة ليس فقط دليلاً على الإهمال، بل أيضًا رمزًا لفشل منظومة التسيير المحلي لعقود.
ومن أكبر أوجه المعاناة في جماعة الترايبة في إقليم تازة هو الغياب الكامل للخدمات الصحية الأساسية لا مستوصف فعّال، لا طاقم طبي قار، لا سيارة إسعاف مجهزة، ولا حتى صيدلية قريبة للمرضى، وخاصة المسنين والنساء الحوامل، يُجبرون على قطع عشرات الكيلومترات في ظروف قاسية للوصول إلى مراكز صحية في جماعات مجاورة أو في مدينة تازة، وهو ما يؤدي في بعض الأحيان إلى مآسٍ صحية حقيقية، تنتهي بوفاة المرضى أو تعقيدات صحية خطيرة وللإشارة فان ثماني حالات من نفس الجماعة يعانون الامرين مع مرض الدياليز تصفية الكلية يتنقلون باستمرار الى مدينة تازة في ظل الفقر والهشاشة .
منطقة هسكورة ، الواقعة ضمن تراب الجماعة، تعيش أوضاعًا أكثر قسوة ، إنها بؤرة تهميش مضاعف، تعاني من العزلة الجغرافية وغياب الطرق المعبدة، وافتقارها لأبسط مقومات العيش الكريم. لا ماء صالح للشرب في كثير من الدواوير، لا كهرباء في أماكن متعددة، وانعدام أي مشاريع مدرة للدخل أو فرص للشباب، ما يجعل الهجرة القروية أو “الحريك” حلماً جماعيًا.
وفيما يتعلق بالبنية التحتية الطرقية بجماعة الترايبة في حالة كارثية، حيث لا وجود لطرقات معبدة بشكل جيد، وغالبًا ما تتحول المسالك إلى مستنقعات من الطين والأوحال خلال فصل الشتاء، مما يعيق تنقل السكان، وخصوصًا التلاميذ والنساء، ويجعل الوصول إلى المرافق الحيوية شبه مستحيل، هذا الواقع يكرس العزلة، ويزيد من معاناة المواطنين يومًا بعد يوم.
وفي قلب جماعة الترايبة بإقليم تازة، يُقام سوق أسبوعي يُفترض أن يكون فضاءً للتجارة والتلاقي بين السكان، لكنه للأسف يفتقر لأبسط الشروط الأساسية فالسوق لا يتوفر على تجهيزات أو تنظيم مناسب، وتغيب فيه المرافق الضرورية مثل دورات المياه، الماء الصالح للشرب، أماكن مخصصة للنفايات، وأكشاك مغطاة تحمي الباعة من حرارة الشمس أو الأمطار كما يُجبر الباعة على عرض سلعهم فوق الأرض مباشرة، وسط الغبار أو الوحل، في ظروف لا تحترم لا صحة المواطن ولا كرامته. أما الطرق المؤدية إلى السوق، فهي غير مهيأة، ما يزيد من معاناة الساكنة، خاصة في فصل الشتاء حيث يلجؤون الى سوق الجبارنة او سوق بوقلال.
وفي ظل شبه غياب النقل المدرسي، وبُعد المؤسسات التعليمية، وضعف التجهيزات، وغياب الداخليات أو دور الطالب، أصبحت ظاهرة الهدر المدرسي شائعة، خاصة بين الفتيات. التلاميذ يقطعون كيلومترات سيرًا على الأقدام في ظروف مناخية قاسية، ومع ذلك لا يحصلون على تعليم جيد، بسبب نقص الأطر، ورداءة البنية المدرسية. أما حلم متابعة الدراسة الثانوية أو الجامعية فيظل بعيد المنال لمعظم أبناء الجماعة.
وفي الوقت الذي أصبحت فيه ملاعب القرب جزءًا أساسيًا من البنية التحتية الرياضية في عدد من المدن والمراكز القروية المغربية، تعرف جماعة الترايبة بإقليم تازة غيابًا تامًا لهذه الفضاءات الحيوية، مما يعكس مرة أخرى حجم التهميش الذي تعانيه المنطقة، وخاصة فئة الشباب.
وبالرغم من أن جماعة الترايبة تزخر بموارد طبيعية، وأراضٍ فلاحية يمكن استثمارها في مشاريع تنموية، فإنها تفتقر لأي مخطط حقيقي للتنمية، لا تعاونيات فلاحية مدعمة، لا وحدات إنتاجية، لا مشاريع مدرة للدخل، ولا دعم فعلي للمبادرات المحلية ، الوضع الاقتصادي الهش يدفع بالشباب إلى البطالة القسرية أو الهجرة نحو المدن أو الخارج، وهو ما ينذر بـتفكك اجتماعي خطير.
ويطالب سكان جماعة الترايبة في إقليم تازة ، في كل مناسبة، بتحقيق أبسط الحقوق كإحداث مستوصف مجهز بطاقم طبي قار وسيارة إسعاف ، وإعادة تهيئة مقر الجماعة وربطه بالإدارة الرقمية وإصلاح الطرق والمسالك القروية وتوفير النقل المدرسي لكل التلاميذ بدون استثناء وتجويد التعليم توفير ملاعب القرب وتوفير الماء الصالح للشرب …………
لكن، وللأسف، فإن هذه المطالب لا تجد من يستجيب لها، ولا من يحمل همّ ساكنة أنهكها التهميش منذ عقود.
إن ما تعيشه جماعة الترايبة من إقصاء وتهميش ليس قدَراً محتوماً، بل نتيجة لسياسات عمومية غير منصفة، ولامبالاة المسؤولين المتعاقبين، وغياب إرادة حقيقية للتغيير، لقد آن الأوان لإعادة الاعتبار لهذه المنطقة وساكنتها، وإدماجها في مسار التنمية المستدامة والعدالة المجالية، قبل أن تترسخ مظاهر الإقصاء الاجتماعي، وتتحول إلى مصدر للغضب والاحتقان.

