في حفل ثقافة التفاهة والسخافة بمكنـــــاس.

محسن الأكرمين.

قد يكون مفهوم التفاهة دوما مفهوما مرتبطا بأحداث مشتتة ومتفرقة، وغالبا ما تكون تلك الأحداث تفتقر حتما إلى النظام والمنطق والمضمون الاجتماعي. قد تكون تفاهة المدّونات بضاعة رائجة وسهلة الاقتحام والتعلم والامتهان. قد تكون السخافة عملا مستفزا يشتغل على إجهاض القيم والأخلاق والأعراف. قد لا ننكر وجود التفاهة في الماضي وتوافرها بالحاضر وبكثرة، لكنا قد نشير أن ثورة (السوشيال ميديا) كان البدال المحول، حين باتت (منبرا من لا منبر له) في صناعة التفاهة الرديئة.

حقيقة لا يمكن القفز عنها إلى الوراء حين أصبحت المدّونات لعبة مالية متداولة بقوة المتابعة والامتهان، وموقعا متنطعا للتماهي في التفاهة البئيسة وبزيادة. حقيقة لا يمكن التغاضي عنها، حين بات الإدمان على التفاهة يلقى المتابعة وحديث الأسر والفئات الاجتماعية باختلاف الأعمار والتصنيفات. حقيقة لا يمكن أن تكون إلا مضنية، حين بات الفشل والغباء يصنع الشهرة في (السوشيال ميديا) بلا قناع (حشومة). اليوم بات قوم منا (لا يقدورن العيش بلا تفاهات ولا سخافات يومية). بات الحقل الثقافي الرزين غير قادر على الحد من سيولة جريان الميوعة الفاسدة. باتت كل الحقول العلمية والإنسانية والدينية الحقة تفتقد للشجاعة الرفيعة في الدفاع عن اهتزازات القيم والأخلاق العامة للمجتمع وطغيان السخافة.

من المؤسف أن تصاب المدن المغربية بتخمة نماذج من مراهقي التفاهة، وشريحة كاملة من التافهين. من المؤسف أن التفاهة قد تسكن في أحياء عريقة مثل ما حدث بمكناس وغيره. من سوء حظ منظومة القيم أن تسويق التفاهة بات سهلا عبر هواتف ذكية و حديث المنصات الإعلامية، ومديح التفاهة وتقاسمها بكل أريحية. باتت مواقع التواصل الاجتماعي تصنع مشاهير التفاهة بامتياز، ومشاهدات (روتينيي) اليومي ونزال الشوارع. باتت المتابعة تلحق التفاهة بالكم العددي الكبير والوفير بعوائد التعويضات المالية. باتت المشاهدات تحتسب بالملايين ومدرة للدخل الملوث.

من سوء مكناس أنه بات يذكر في مواقع التواصل الاجتماعي بكثرة في مشاهدة التفاهة. من سوء مكناس حين أعلن الموت الإكلينيكي للثقافة وانتصار الاستعراض السمج وبيع الوهم الزائف مثل (مفاتن روتيني اليومي)، وقد يبدو مكناس ويصنف من المدن الصانعة للتفاهة. لنعد إلى ركام تفاهة وسخافة مشروع (عرس اللايكات) ونقول:” أننا بالجمع نساهم في انتعاش التفاهة وتتبع المشاهدات (الخاوية)، نصنع من أناس بسطاء مغمورين (مشاهير)، ونتقاسم لقطات من يوم القبض على (عريسي اللايكات) في مواقع الاستثمار في الأعراض الاجتماعية، وتقاليد المدينة.

قفزة مدوية من التفاهة إلى السخافة قد حدثت بالبينة، هنا تكمن المشكلة في مقدرة التافه على صناعة متابعين أوفياء (BUZZ) بسؤال وضيع: كيف تصبح مشهورا في سباق التفاهة في خمسة أيام؟ اليوم تبدو الأخلاق في خطر من تمدد السخافة. اليوم قد يبدو كل التافهين قدوة، لكن من ورق (المراحيض) للأجيال القادمة. اليوم باتت (السوشيال ميديا) ومصانع السخافة والتفاهة التي من خلفها الملايين والملايير المالية تغزو سوق الاستثمار الفعلي بمكناس.

لنوقف (الرداءة) والسخافة فهي تساوي قيمة محاربة الفساد. نوقف التطبيع بين الفساد والتفاهة وتطويع أخلاق المجتمع نحو السخافة. نعم، قد لا نعلن فشل التربية ولا نظام الأسرة  ولا الحقول الاجتماعية بالتمام، ولكنا نعلن أننا فشلنا في تحصين المجتمع من التأثيرات المتلاحقة للسخافة والرداءة، حتى باتت التفاهة تحتل مراتب السبق في المشاهدة، وباتت ثقافة (اللايكات) تستوطن الانشغالات اليومية…