من مشاهد ما بعد الصيام : مول الكوتشي.

محسن الأكرمين.

مول الكوتشي ،

الموسيقى الصاخبة تصدح من مكبر الصوت علوا، وتسمع من بعيد عند “مول الكوتشي” بباب لالة عودة بمكناس، ويتعالى الصوت المرافق لها في الغناء من طرف الراكبين الأربعة من شباب جيل “التشويكة”. مول الكوتشي، في رأسه شعر”الفروج”، وتعلم بعضا من كلمات اللغات الأجنبية بركاكة ، وأصبح مرشدا سياحيا بالتطبع، وعالما لتاريخ المدينة.

حين توقفت وتمعنت لكلمات أغنية” أمول الكوتشي” بالاستماع علمت أنها أغنية حصباوية لشيوخ العيطة. أحسست أنها تنطبق بالجر على الموروث التراثي بمكناس حين يقول المغني فيصل،” مشيت نجيبو لقيتو زها و مشا لعزيبو و السوار لي درقوك، السوار يريبو…”. تساءلت من وضعية أسوار مكناس و بصمت صدق دلالة كلمات “مول الكوتشي ، السوار يريبو” .

الهوى مكناسي،

“الهوى مكناسي” و العشق بمدينة السلاطين كان حاضرا بالتمام في منتزهاتها، حاضرا فينا بالجمع في عشق ماء و أرض و هواء مدينة حتى الهوس. وحين حورت كلمات “مول الكوتشي ” أضحت الدلالة تقول” وقلت ليك اخطيني راه مدينتي في القلب، الهوى مكناسي ورفقة سياسي غدي تجلينا… الهوى مكناسي ولي فكر بزاف غادي يولي هبيل و يبقى يمشي في جنب السور “.

الهوى مكناسي “وطبيب مكناس داوى الصحاح وخلى المعاطيب “، وحتى سكانير محمد الخامس خاسر ” وخلى المعاطيب بطاقة رميد”.

آه،  يا “مول الكوتشي” كون درتي حزب بمكناس وسمتيه ” مول الكوتشي جمع كلشي وهنينا ” وقلبتي “الطرحة” بمكناس عسى يجيب الله التيسير على يديك،  راه مكناس ” جاها النعاس وأنا ما جاني” من الحرقة المدينة.

مول الكوتشي و الكوديم،

“قلت ليكم خطيوني رافقتكم هاذي تقتلني”. هذا هو حال من يدبر أمر النادي المكناسي. “مول الكوتشي” كتب في لوحة من الكارطون معلق بالجانب الخلفي “أنقذوا الكوديم “، حين وصل المغني فيصل إلى مقطع ” مشينا ربحانين و رجعنا سكرانين ” وقف “مول الكوتشي”، وفي يده كأس… وألح على صديقه الاستماع إليه بالقول” مشينا ربحانين و رجعنا سكرانين”. هنا علمت أن الأزمة بمكناس أضحت أزمة أخلاق، باتت أزمة قيم بمتغيرات الانفتاح و التحولات السريعة، باتت وبالا حين تصرف الأموال غير النظيفة على الرياضة بمكناس.

لكن ” مول الكوتشي” نفض اللوم على ذاته وتصرفاته وألقى بمتم اللوم على صديقه الذي يداوم صب السائل الأحمر في الكؤوس” و نعطيك العهد وا مكناس العقل معذب … و حليت السرجام و بان لي العشير غادي و يخمم … و قلت ليكم اخطيوا الكوديم… وتدبيركم غادي يهبلني…  ”

العفو من عند الله،

كل من يركب “الكوتشي” والتي يشبه في حالته “الكروسة”، يطير فرحا وسعادة من أغنية “أمول الكوتشي”، وممكن أن تكون داخل “كروسة الكوتشي” منشطات روحية وحامية تزيد من نشوة الاندماج مع أغنية” أمول الكوتشي”، حتى أن الحوذي السائق مرات عديدة يرفع يديه عن اللجام  ويندمج في التصفيق عند إعادة لازمة الأغنية” آمول الكوتشي و هز كل شي البادادي يرشّي”.

لم أبرح مكاني القريب من مشاهد متنوعة بباب “لالة عودة” وما جاورها سيرا في الطريق، وأنا أتابع العقل بمكناس معذب مع المنشطات الروحية و الكيفية والحبة المهلوسة، ولازال “مول الكوتشي” يردد بصوت جوهري ” بان لي العشير غادي و يخمم”…هي مكناس كولشي حامل الهم وتالف، وحقيقة “كلا وهموا، وتخماموا “.

هي الساكنة التي تنفض همومها بالنسيان وشراء التناسي بحجم القنينات الخضر، هي مكناس التي تقوم للفساد ليلا ولا تهابه حتى في نور النهار ” و قلت ليك اخطيني و رفاقتك غادي تجليني … و قلت لك اخطيني و رفاقتك غادي تهبلني…”، ويصيح  الحوذي علوا إلى السماء “العفو من عند الله”.

أناري جابها في راسو،

في سرعة ” الكوتشي” يسلط سياط الجلد  والضرب المفرط على جسم الحصان المنهك، تزداد السرعة ولا فرامل عند ” مول الكوتشي”، ولا كيس أمان للوقاية.  بدا عقل الشباب مبنج، وأغنية “أمول الكوتشي” تزيد من طفحهم المنتشي. بدت عليهم “التلفة ” والدوخة. ظهر على الحوذي فقدان السيطرة على “الكوتشي ” في طريق “أسراك” الطويلة. بات الحوذيلا يتحكم في” الكوتشي”، وحين وصلت العيطة الحصباوبة” أمول الكوتشي جمع كلشي…” كانت عجلات “الكوتشي” تنزلق جانبا، واجتمع صوت الأغنية ” أمول الكوتشي جمع كلشي “.

مشاهد متنوعة من نهاية “أمول الكوتشي” المصاب مع رفقته المغيبة بإصابات خفيفة، مشاهد من تعليقات  المارة حتى أن لغة إشهار المرحومة  ثريا جبران قد تم إحياؤه “أناري جابها في راسو”.

هنا شيخ مكناس الوفي للمدينة علق على الحادث” مشينا رابحين ورجعنا سكرانين”، ثم قال، تبا لمدينة تعانق الفساد ليلا، تبا لمدينة ممكن أن تدار سياستها من تحت الحياة السفلية الليلية.