نحن والمستقبل…

 

د,محمد القاضي

هل سيتم انتاج فيلم 8 شتنبر بنفس الوجوه التي انتعشت الهشاشة والبطالة والظلم الاجتماعي في عهد أفلامهم السابقة.
——-
مرت خمس سنوات من عمر المؤسسات المنتخبة بسرعة كالبرق؛ بإيجابياتها وسلبياتها..
وعلى امتداد هذه الخمس سنوات تحسنت أحوال قلة قليلة من الناس وتغيرت حياتهم بشكل جدري؛ ومنهم من انتقل من طبقة “بوصندالة” إلى طبقة “الكوباي” ومن دائرة الميزيرية الى دائرة الغنى والثراء….
جميل جدا أن يجتهد الانسان ويشمر عن سواعده وعقله ويسعى وراء رزقه في الارض بالكد والعمل والجد والمثابرة والاجتهاد؛ وهذا النوع من البشر نعتز ونفتخر بهم وندعو الله أن يزيدهم رزقا على رزق.
لكن عندما نتأمل في الذين عرفت حياتهم هذا التحول النوعي ؛ نكتشف أن أغلبهم منتخبين أو لهم علاقات مصلحية ومعاملاتية مع طينة المنتخبين ؛ مما يثير المئات من علامات الاستفهام.
وفي مقابل ذلك؛ نجد أن دائرة الفقر توسعت وحظيرة البؤس تمددت وتغولت والهشاشة الاجتماعية تعمقت لتشمل شرائح أخرى من الناس؛ وهذا التمدد والتوسع لدوائر الفقر والبؤس تواكبه عملية بروز ظواهر غريبة وعجيبة وخطيرة في نفس الوقت ؛ من جملتها تنامي الانحراف السلوكي وتنامي العنف الاجتماعي بمختلف تجلياته وتوسّع قاعدة نشاط المخدرات واستهلاكها وغيرها من الظواهر الاجتماعية التي كلها تصب في اتجاه ردم القيم وافتراس الانسانية وتسليع كرامة الإنسان.

إذن نستنتج أن أطراف معادلة صعود أقلية قليلة نحو الثراء الفاحش وهبوط أغلبية كبيرة نحو مستنقع الميزيرية ؛ يشوبها خلل ما …
وهذا الخلل هو أن هذه الأقلية قامت بعملية امتصاص الثروة لصالحها؛ وأغلقت جميع الفرص أمام الأغلبية وتركتها فريسة للحرمان والعوز والعدمية …في الوقت الذي كان يجدر بهذه الأقلية أن تفتح أفاق وفرص أمام كافة أفراد المجتمع وتمكينهم من المشاركة في صناعة ذواتهم ومستقبلهم والمساهمة في خلق الثروة داخل المجتمع؛ على اعتبار أن هذه الأقلية يقع على عاتقها مسؤولية تدبير شؤون الناس والتخطيط لمستقبلهم وخلق اكبر عدد ممكن من الفرص أمامهم.
لكن واقع المجتمع وواقع هذه الأقلية ؛ يضع الحقيقة تحت المجهر ويؤكد أن نسبة كبيرة جدا من أفراد هذه الأقلية خانوا الأمانة ولم يكونوا في مستوى ثقة الناس وثقة مجتمعهم وثقة وطنهم.
الآن وقد وصل موسم هجرة أفراد هذه الأقلية الى الأحياء الهامشية والشعبية استعدادا لجني أصواتهم ؛ ولا يحملون معهم اي تصور او رؤية مستقبلية ؛ يحملون معهم فقط أظرفة بها أوراق نقدية لأجل الاستثمار في البؤس والفقر الذي تفننوا في صناعته طيلة الخمس سنوات الماضية ؛ معتمدين في ذلك على “الݣرّابة” وبائعي “المحظورات” وبائعات “الهوى” في الغرف الدامسة؛ لكي يمهدون لهم الطريق أمام “الهجرة لجني الاصوات”….
وحتى لا ينتبه؛ المواطن الكادح والمقهور اجتماعيا لهوية الاشخاص الذين أجهضوا أحلامه وسرقوا منه مستقبله؛ فإن أفراد هذه الأقلية التي تتقن فن “المصمصة”؛ فإنها في كل موسم هجرة ؛ تدخل الى هذه الاحياء بألوان مختلفة ورموز مختلفة… وهكذا يمر موسم الهجرة بنجاح.

وهنا نثير تساؤلا عريضا ردا على هذه الأغلبية التي تظل خمس سنوات كاملة وهي تردد عبارة: “الله ياخوذ فيهم الحق”؛ على إيقاع لسعات ولدغات القهر الاجتماعي والفقر والعنف الاجتماعي التي تفتك بها….”إن الذين كنت تدعو عليهم طيلة خمس سنوات الماضية” وتدعو الله أن يقتص منهم؛ هم أنفسهم الذين تأخذ منهم الآن ظرفا به ورقة او ورقتين نقديتين من فئة 100 او 200 درهم؛ وهم أنفسهم من تحرض الناس للتصويت عليهم وهم أنفسهم من تشيطن الناس لصالحهم…. فهل عرفت سبب بؤسك وفقرك ؟ فهل عرفت ان سبب ازدهار نشاط المحظورات بحيك سببه أنت؟ فهل عرفت انك أنت من تصنع بؤسك وتغتصب مستقبل أبنائك؛ وتحرم طاقات وكفاءات حيك أو قريتك او مدينتك من تولي زمام المسؤولية؟
وهكذا تتكرر عملية إنتاج الفقر والبؤس بنفس الوجوه وبنفس الادوات ونفس العقليات وبنفس البضاعة الوهمية كل خمس سنوات.
رحم الله من قال المجتمع البائس هو من يصنع بؤسه ولا أحد يصنعه له.
فهل تساعد الثورة الرقمية وتداول المعلومة في فك طلاسم هذه الدسائس السياسية وتفكيكها ؟ وهل تساعد المواطن على التسلح بالوعي.