متابعة : بنحساين صابرينا
تحوّلت شوارع وأزقة مدينة وجدة في السنوات الأخيرة إلى مشاهد يومية لظاهرة مؤلمة ومقلقة: تنامي أعداد المشردين والمتخلي عنهم، في ظل صمت رسمي لا يرقى إلى خطورة الوضع، وجهود مدنية محدودة تصطدم بضعف الموارد وانعدام التنسيق المؤسساتي.
المتجول في وسط المدينة، أو في أسواقها الكبرى، أو حتى في محيط المرافق العمومية، لا يمكنه أن يُغفل مشهد أشخاص يفترشون الأرصفة، ويقتاتون من بقايا الطعام، بعضهم يعاني من أمراض نفسية وعقلية، وآخرون في حالة صحية مزرية، يُشكّلون خطراً حقيقياً على أنفسهم وعلى الساكنة، خاصّة في غياب أي رقابة أو تدخل فعّال.
وتتزايد شكاوى المواطنين في مختلف أحياء المدينة، من اعتداءات لفظية أو جسدية يتعرض لها المارة من طرف بعض المتشردين، خاصة أولئك الذين تظهر عليهم علامات الاضطراب العقلي أو الإدمان، أو الذين يرفضون أي شكل من أشكال التواصل.
تقول إحدى الساكنة «ا صبحنا نخشى المرور ببعض الأزقة ليلاً، حتى في قلب المدينة، بسبب وجود مشردين يصرخون أو يرمون الحجارة. البعض منهم شبه عراة، وآخرون في حالة غير طبيعية، الوضع لم يعد يُطاق.”
ورغم بعض الحملات الموسمية التي تُنظّمها السلطات المحلية بالتعاون مع مصالح التعاون الوطني، خصوصاً في فصل الشتاء، فإنها تبقى إجراءات ظرفية ومحدودة لا تُعالج جذور الظاهرة ، فالمراكز الاجتماعية المتوفرة إما غير كافية، أو لا تستجيب لمتطلبات الإدماج وإعادة التأهيل.
كما يُسجَّل غياب رؤية مندمجة تجمع بين الجوانب الاجتماعية، الصحية، الأمنية، والقانونية، وهو ما يجعل أي تدخل منعزل وغير فعّال على المدى الطويل.
في المقابل، تحاول بعض الجمعيات المدنية المحلية، على قلتها، تقديم المساعدة الإنسانية عبر توزيع الوجبات الساخنة، الأغطية، والملابس، خاصة خلال موجات البرد، كما تقوم بحملات تحسيسية وتوثيقية ، غير أن هذه المبادرات تبقى موسمية وضعيفة التمويل، ولا تواكب الحاجيات المتزايدة، في ظل غياب دعم مؤسسي حقيقي، وتراكم المسؤوليات على عاتق المتطوعين.
تنامي ظاهرة التشرد في وجدة لا يُهدّد فقط الأمن العام والصحة النفسية للساكنة، بل يُشَوّه أيضاً صورة المدينة الحضارية والتاريخية، التي لطالما كانت واجهة للثقافة الشرقية المغربية ، فمشاهد التشرد المنتشرة في محيط المؤسسات الرسمية، المحطة الطرقية، الأسواق، وحتى أمام المدارس والمصحات، تُعطي انطباعاً قاتماً للزوار والمستثمرين، وتطرح تساؤلات عن غياب استراتيجية واضحة للتدبير الاجتماعي للمدينة.
اليوم، لم يعد ممكناً الاكتفاء بالحملات الظرفية أو البيانات الإعلامية ، وجدة في حاجة إلى خطة طوارئ حقيقية، تنطلق من تشخيص ميداني دقيق، وتُترجم إلى برامج إدماج اجتماعي، دعم نفسي وصحي، إعادة التأهيل، وتأهيل الفضاءات العمومية.
كما يجب تفعيل دور اللجان المحلية للرعاية الاجتماعية، وتسهيل ولوج الجمعيات الجادة إلى الموارد والدعم، ضمن إطار تعاقدي واضح، تحت إشراف السلطات المحلية والجهات المنتخبة ، ظاهرة المشردين في مدينة وجدة ليست فقط معركة إنسانية، بل هي أيضًا رهان حضاري وأمني وتنموي. تجاهلها، أو التعامل معها بأسلوب ظرفي، لن يؤدي سوى إلى تعميق الجراح، وزرع الخوف بين الناس، وتحويل المدينة إلى فضاء فاقد للكرامة… للساكنة كما للزوار.

