متابعة : خالد الزهوني
في قلب إقليم الخميسات، وتحديداً بجماعة تيداس، تتجلى صورة صادمة لواقع محلي غارق في الإهمال والاختلالات، تعكسها تفاصيل الحياة اليومية للساكنة، وسط بيئة تعاني من التراجع على مختلف المستويات، من البنية التحتية إلى الخدمات الأساسية، مروراً بقطاعات التعليم، الصحة، الشباب، والبيئة.
ما تزال فضاءات السوق الأسبوعي القديم بتيداس ترزح تحت وطأة الفوضى، في غياب تام لأي شكل من أشكال التنظيم، الأزبال منتشرة، الروائح الكريهة تزكم الأنوف، والماء الصالح للشرب والمرافق الصحية غائبة تماماً، في مشهد لا يليق بسوق يُفترض أن يكون القلب النابض للحياة الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة.
وفي المقابل، لا يزال “السوق الجديد” الذي أُنجز في ظروف مثيرة للتساؤل، مغلقاً منذ خمس سنوات كاملة، المشروع شُيّد بطريقة مرتجلة، فوق أرض غير خاضعة للتسوية القانونية، وبدون إعلان عن طلبات العروض، وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول ظروف إنجازه وتكلفته، فبدلاً من أن يُشكل بديلاً عصرياً للسوق العشوائي، تحول إلى بناية من القصدير مهجورة لا تقدم أية خدمة للساكنة.
البيئة هي الأخرى تدفع ثمن الإهمال، فالمزبلة العشوائية بالمنطقة أصبحت كابوساً يومياً للسكان، إذ يغمر الدخان السام القادم منها الأحياء ليلاً ونهاراً، في ظل غياب أي رؤية واضحة لتدبير النفايات. هذه الوضعية البيئية المزرية أدت إلى تدهور جودة الماء والهواء اللذين طالما اشتهرت بهما المنطقة.
اما بالنسبة لقطاع الصحة يعيش حالة كارثية، فبالرغم من الكثافة السكانية المهمة، لا يتوفر المركز الصحي بالجماعة على طبيب مقيم، كما يعاني من ضعف حاد في التجهيزات والموارد، ما يضطر السكان إلى التنقل إلى مدن بعيدة لتلقي العلاجات، في ظروف تزيد من معاناة المرضى وتثقل كاهل الأسر.
المدرسة الابتدائية “إدريس الأول” تعكس الوضع المتدهور لقطاع التعليم بالجماعة، سور المدرسة مهدد بالسقوط منذ سنوات، دون أي تدخل لترميمه أو إصلاحه، ما يعرض حياة التلاميذ للخطر يومياً، وسط غياب واضح للمسؤولية في ضمان سلامة المتعلمين.
دار الشباب بدورها، التي كانت ذات يوم متنفساً للأنشطة الثقافية والرياضية والتأطير، أُغلقت وتحولت إلى مأوى للمتشردين، بينما المركز الفلاحي الذي كان سنداً للفلاحين في التكوين والتأطير، تم تهميشه بالكامل. كما أن مركز التكوين المهني لا يزال مغلقاً منذ سنوات، ما ترك الشباب في فراغ قاتل، وعزّز من ظاهرة الهجرة القروية نحو المدن أو الخارج.
على مستوى التعمير، تعرف الجماعة توقفاً شبه كلي، إذ إن الوداديات السكنية معلقة والرخص مجمدة، باستثناء تجزئة “3 مارس” التي تم إطلاقها بشروط وُصفت بالمجحفة، أثقلت كاهل المواطنين الراغبين في امتلاك سكن ، في المقابل، ما تزال دور الصفيح بحي “لاݣار” قائمة رغم الوعود المتكررة بإزالتها، في غياب أي تدخل فعلي. للسلطات المحلية والإقليمية.
الشارع الرئيسي بالبلدة تحول إلى ورشة متوقفة، بأكوام من الإسمنت ومواد البناء المتناثرة، ما يعرقل حركة السير ويشوّه المنظر العام، الأشغال العمومية، إن وُجدت، فهي غير مكتملة أو عشوائية، دون احترام لمعايير السلامة أو الجمالية.
الإحصاءات الرسمية الأخيرة كشفت عن تراجع ديموغرافي مقلق بجماعة تيداس، حيث انخفض عدد السكان من 10,047 نسمة سنة 2014 إلى حوالي 9,013 نسمة في 2024، أي بنسبة انخفاض تفوق 10%، وهو ما يعكس أزمة ثقة وغياب فرص العيش الكريم، ويدفع الساكنة نحو الهجرة بحثاً عن آفاق أفضل.
رغم كل هذه الاكراهات ، لم يُسجل للمجلس الجماعي سوى إنجاز وحيد: “رومبوان” عبارة عن نافورة أنجزته جمعية محلية، ما يزيد من حجم التساؤلات حول تدبير المال العام، وغياب البرامج والمشاريع التنموية الحقيقية التي تمس حياة المواطنين.
ما تعيشه جماعة تيداس اليوم ليس مجرد مشاكل متفرقة، بل أزمة بنيوية شاملة تضرب كل القطاعات الحيوية، في ظل غياب رؤية تنموية واضحة وتدبير شفاف. الساكنة المحلية أصبحت رهينة واقع مظلم يفتقر لأبسط شروط العيش الكريم، ما يجعل من الضروري دق ناقوس الخطر، ومطالبة الجهات الوصية بالتدخل العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ووضع حد لسنوات من التهميش والتراجع.
وفي ظل هذا الواقع المتردي الذي تُجمع عليه الساكنة، فإن الأصوات تتعالى اليوم للمطالبة بتدخل عاجل من السيد عبد القدر لنحيلي عامل إقليم الخميسات المعروف بصرامته وجديته في العمل ، من خلال القيام بزيارة ميدانية مباشرة، والوقوف عن كثب على حجم المعاناة والاختلالات، مع إيفاد لجنة خاصة لتشخيص الوضع على الأرض ورفع تقرير شامل يُنصف ساكنة تيداس، وعلى رأسهم خدام العرش العلوي المجيد الذين ظلوا أوفياء لثوابت الوطن، ويأملون في التفاتة تنهي سنوات التهميش وتعيد للجماعة بريقها المفقود.
الجريدة تحتفظ بحق الرد للمسؤولين المحليين لتقديم توضيحاتهم